الاصلاح بين الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالى :"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوابينهما بالعدل وأقسطوا ، إن الله يحب المقسطين ، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون " الحجرات
أيها المسلمون : من حكمة الله الباهرة في خلقه : أن خلقهم مختلفين في ألوانهم وألسنتهم ، متفاوتين في طبائعهم وغرائزهم ، متباينين في عقولهم وأفكارهم ووجهات نظرهم ، فكان طبيعياً أن يختلفوا ويتنازعوا ، وأن يتخاصموا ويتصارعوا ، كما قال سبحانه :" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ".
وقد عنى الإسلام بالإصلاح بين المتخاصمين عناية تامة ، وقدم للأسر والجماعات حلولاً عادلة ، وأعطى للمتصالحين أجوراتً كاملة ، ليعيش الناس في ظله آمنين مطمئنين ، ويسعدوا بالحياة المثلى ، والسعادة العظمى ، قال تعالى :" لا خير في كثيرٍ من نجواهم
، إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاءَ مرضاةِ الله ،فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل سُلامي من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، يعدل (أي يصلح) بين الاثنين صدقة ، أو يرفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة يمشيها الى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة".
فقد يقع الخلاف بين الزوج وزوجته ، فيتدارك أقارب الزوجين هذا الأمر ، ويسارعوا بالإصلاح بينهما قبل أن ينفصم حبل المودة ، فترجع الحياة الزوجية الى طبيعتها وأصالتها ، قال الله عز وجل:" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من اهلها ، إن يريدا إصلاحا يُوفق الله بينهما ، إن الله كان عليماً خبيراً".
وكثيراً ما يقع الشقاق بين الأهل والأقارب فتتولد الضغائن والأحقاد ، وتنشأ العدوات والخصومات ، وتثور في نفوسهم حمية الجاهلية ، فيتقاتلون ويتخاصمون ويتنازعون ، وربما تورّط هذا الشقاق وهذا الخلاف ، لذلك أمر الله ورسوله المؤمنين أن يتدخلوا بين المتخاصمين بالحكمة والموعظة الحسنة لحل هذا النزاع والخصام ، والقضاء على العدواة والغضاء ، حتى ترجع للأواصر قوتها وللأخوة توافها ، وللقرابة تراحمها وتعاطفها . قال الله سبحانه :" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال :" إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ."
وقال صلى الله عليه وسلم :" لا يحل لمسلم أن يهجر اخاه فوق ثلاث : يلتقيان ، فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ السلام "
فراقبوا الله ، واعلموا أن الأسلام حرم الكذب في أكثر الحالات ، ولكن أباحه للقائم بالإصلاح ، وجعله مثاباً على نيته ، لأنه قصد بذلك جمع القلوب المتنافرة ، ووصل ما أمر الله به أن يوصل .
واعلموا ايضاً أن الإسلام أوجب على كل مسلم أن يتجرد من عصبيته وأنانيته ، وأن يتصافى مع جميع إخوانه المسلمين ، وأمره أن يصل كل من قطعه ، ويعطي من حرمه ، ويعفو عمن ظلمه ، وذلك لينال الجزاء الأوفى ، والعاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة ، فقد جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله : إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ( وهو الرماد الحار ) ولا يزال معك من الله ظهير عليم ما دمت على ذلك ".
فهذبوا أنفسكم بتعاليم الإسلام ، وطهروا قلوبكم بأسرار القرآن ، وتأدبوا بآداب نبيكم سيد ولد عدنان ، ( وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ، (( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤاً ، ولباسهم فيها حرير ، وهُدوا الى الطيب من القول ، وهدوا الى صراط الحميد )) .